Monday, February 3, 2014

مصباح صار رديئا


(ذكرى فتاة شريفة أحببتها في السر سبحت ضد التيار...)


المصباح الذي يُنيركم، كان من المُمْكن ألا يَصير بهده الرّداءة في بيتي، طبعا لي وَحدي... أضَعه حَيْثما أشاء، على الجِدار، قُرْب السّرير، أمام المِرآة وقُربي كُلّما شَعرت بالضَّيق ولمَ لا أسفل الكنبة عند قدوم أي دخيل مرحب به. سَقَطَت الكَرامة مُرغمة في فَخ الرَّذيلة؛ والمَسْئول مَعْروف كَشَبَح الضَّباب. في حانة لم أتَمَنّى وُلوجَها يَوْماً، وَجَدْته بَيْن ذِراعَيْن خشنين. دخان وخفوت ثم لمعان فخفوت ودخان. رغم كل الضجيج سألته׃
- لماذا يا مصباح صرت بهذه الرداءة؟
قال بنبرة متقطعة لواعِظ واثق أشركَ حتى المارّة في حديثه׃ - الزمن لم يرحم هذا الريش الناعم٬ وركبنا قطارين سريعين إلى محطة واحدة، لم تكن مرجوة يوما، أبدا لم تكن مرجوة. أعلت نفسي من نفسي٬ مرغما نزعت قناع البراءة٬ وارتديت قناع الكذب٬ تحت وطأة البؤس خسرت الدنيا والدين... خسرت كل شيء. لم يعد لي إحساس بعدما صرت مصباحا ينير العالمين؛ إنارة رديئة تذبل يوما بعد يوم. للأسف كانت من الممكن أن تكون من أجل شخص واحد في قصر... الآن أزور كل الأماكن بدون معنى للهواء الذي أتنفسه الآن، أئن بابتسامة مزيفة وصمتي جرح عميق. ها أنت تعود وتذكرني بماضي احتقرناه في ما مضى، والآن افتقدناه. آه لو يعود!
صمت وحملق في الكأس الذي أحمله بجمود ثم تمتم׃ - وأنت، ماذا تفعل هنا؟
لم أكد أجيبه، حتى التفت عليه الأيادي مثل كوبرا، وأخذته بعيدا إلى الغابة المظلمة؛ ليكون ضوءها الوحيد الذي سترقص عليه الذئاب والضباع.
*
في فضاء جوه مهلوس -يغضب ويفرح ثم يفرح ويغضب- إن ذلك المُعَلّق من أعلى السقف مربوط بزر على جدار في سجن به طفيليات تنخر من الاسمنت... وهكذا في طريق بلا نهاية، طريق بلا ماشي وبلا عابر. هكذا يُضيء فقط بنقرة طائشة. 'أريدك في النهار كما الليل تقديرا لصاحب الاختراع ذاك الميت وإذلالا للاختراع هذا الحي.' هذا ما قاله معتوه لا يبصر الضوء، هذا ما كنت سأبوح به للمصباح قبل الالتِفاف! 
**
هي صيرورة السعادة والحزن؛ في تعاقب الليل والنهار يبرز هدوء وملل ورغبة ونسيان وانتقام – يبرز ضجيج وسلوان وكراهية وصفح. إنهم يضعون حواجب الضوء لكي يمارسوا هلوستهم في الخفاء وبعد الاصابة بجرح الظلام يمارسون الهلوسة على منبع الضوء عينه. كيف سيُبعث ضوء غدا؟ هذا ما لم أقله، هذا ما قلته في قرارة نفسي ورأسي مسندٌ على الطاولة.
***
-رديء- صوت هذه الكلمة شبيه بصوت انفجار مدوّ. حروف الحُلم تلك لم تَعد تَرمُز إلى صوتك، ذاك الذي كان يَدفعني إلى تعقّبك لرؤية ما وراء صورتك، تعقبك وأنت تحلم
ين بعالم وردي على الطّريق، كنتِ تُثَرْثرين لِهَؤلاء اللائي تَرَكْناكِ وحيدةً. فرغم طول مُدّة الغسق الذي كنت أعيشه وأنا احلم بذلك المصباح الملائكي، كلما رأيته مترجلا على الرصيف؛ أرى نوراً يضيء باقي الليالي المظلمة، لقد كنت ولا أزال أتخيّل الحقيقة... الشيلان التي ترتدي والعيون السود تعبر بي كعاصفة ريحان دوماً تَترك وَقْعاً طَيبا على كياني. مع طول المُدة ظل المِصباح بَعيداً إلى أن صار شاحِباً الآن في أيدي جَشِعين مُفْترِسين... فقط كما كانت ظلّت إنارَته رَديئة.

بلا نُجوم أنا الآن اَصرخ: 'إن مُكَبّرات الصّوت تلك تَمنعُني من ارشادك بِالكلمات التي هي سِلاحي الوحيد، وإن الأضواء التي على طريقك لا تُساعدك على رؤية الذي يَرمُقكِ من المكان الحالِك. اَتعرفين أن شَجيِ وعُواءهم يَتَقاطَعان مِثلما تَقاطَعنا على الطّريق ذلك اليوم البارِد.' وأنا على الباب وحيدا وجدتُني أهذي لمّا لاطَفَني نسيم ذلك الصباح. تذكرت كل ما همست به ولم أتذكر لحظة طردي من الحانة. 



~محمد قنور ~قصة قصيرة

No comments:

Post a Comment